باتت عملية استقدام الخادمات في المنازل لدى قطاع كبير من الأسر العربية، أمرا قائما لمساعدة الأمهات العاملات على الاهتمام بشؤون المنزل، في ظل انشغالهن في العمل، وعدم مقدرتهن على إيجاد الوقت الكافي لأعمال المنزل، والبقاء مع الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدارس، ويحتاجون لرعاية طوال فترة غيابهنَّ في العمل.
ولكن يجب أن نعي أن وجود الخادمة من أجل التسهيل على الأمهات العاملات، وليس من أجل أن تكون الخادمة أما بديلة للطفل، وربة للمنزل بعد انتهاء فترة عملها؛ لأنها إذا ما كانت كذلك فإن تأثيرها سينعكس على الأطفال من مختلف النواحي العقدية واللغوية، ولا سيما السلوكية التربوية، فكلما تنازلت الأسرة عن بعض أدوارها التربوية والاجتماعية كان تأثير الخادمة أكبر وأخطر، وكلما اهتمت بمتابعة الخادمة ومدى التزامها بتعليماتها في تربية الأبناء كان تأثيرها أقل، ودورها ثانوياً.
"لها أون لاين" عبر الحوار التالي تستضيف الأستاذة منور نجم، عضو هيئة التدريس بقسم أصول التربية والتأهيل التربوي، لتستوضح منها مدى تأثير الخادمة على الأطفال في الأسرة العربية من مختلف النواحي التربوية والعقدية واللغوية، وهل وجود خادمة يعيق الأم عن تأدية واجباتها والقيام بدورها في التنشئة تجاه أطفالها والعديد من القضايا الأخرى، وفيما يلي نص الحوار:
ما مدى حاجة الأسرة العربية لوجود خادمة في المنزل؟ وما المواصفات التي يجب أن تحرص الأسرة على توافرها في الخادمة؛ لضمان عدم التأثير السلبي على الأطفال؟
لا شك أنه بوجود الأم والأب في العمل، وعدم قدرة الأم على توفير الوقت الكافي للاهتمام بأسرتها وأطفالها، خاصة الذين تحت سن الروضة أو المدرسة جعل وجود الخادمة استثناء في الأسرة.
والحقيقة أنه إذا أجبرت ظروف الأسرة على إيجاد خادمة بينهما، فليس أي خادمة بإمكانها أن تدخل إلى الأسرة العربية وبيوت المسلمين؛ لتتولى مهمة تربية الأبناء والاهتمام بهم في ظل انشغال الأبوين، فقط من يمكن استئمانهن المربيات العربيات المسلمات موضع الثقة، واللاتي يتمتعن بسمات أخلاقية عالية ويحملنَّ ذات المبادئ الدينية وذات اللسان العربي؛ ليتمكن من الإشراف على الصغار في غياب الأبوين، وتعليمهم اللسان العربي الصحيح، وتعويدهم أداء العبادات وممارستها وفق تعاليم وشريعة الدين الإسلامي، ولعل تلك المواصفات تمد الخادمة بسمة أخرى مهمة فهي مجتمعة تجعلها تدرك وتتحرى مخافة الله في تعاملها مع أفراد الأسرة وأداء مهمتها بثوب من الأمانة والإخلاص.
ولكن هل وجود الخادمة في المنزل يلغي دور بالأم؟
بالتأكيد لا، ولا يمكن أن تعوض الخادمة مكانة الأم في العملية التربوية، ولكنها فقط تعين الأم في تربية الأبناء، ويجب على الأم أن تحدد لها مهام واضحة وتعليمات مبيّنة لا تحيد عنها في عملية التربية والتوجيه.
ومن ثمَّ على الأم والأسرة أن تقوم بتصفية (بفلترة) ما يتلقاه الطفل من الخادمة خاصة إذا وجدت تغيراً في سلوكه أو لغته أو أخلاقه.
ولكن الملاحظ للأسف الشديد أن الأسرة العربية والأم توكل كل مهام البيت للخادمة، سواء الأعمال المنزلية أو أعمال تربية الأبناء، ونسيت في ظل انشغالها بالعمل مهامها في التربية، ونسي معها الأب أنه مشارك في بناء الأسرة وتربية الأبناء أيضاً، فيجب تطبيق مبدأ المشاركة بين الأبوين في تولي المهام التربوية والتوجيهية للأبناء، وعدم تركها للخادمة، خاصة وإن كانت هذه الخادمة ليست عربية ولا تدين بالإسلام.
إذن كيف للأم أن تعيد روابط العلاقة الأصيلة بأطفالها، إذا ما اضطرت لوجود خادمة في المنزل؟
يجب عليها أولاً ألا تجعل الخادمة بديلاً أصلياً عنها، فإذا ما عادت إلى المنزل بعد العمل تبدأ بتولى مهمة التربية لأبنائها واحتضانهم، وقضاء بعض الوقت معهم، وشملهم بالرعاية والعطف والحنان، ومنحهم الأمان.
وأيضاً عليها أن تقوم بعملية الرقابة المشتركة مع الأب على الخادمة، خاصة وأن الطفل أحياناً يعجز عن التعبير عن تعامل الخادمة معه، وعليها أن تشعر أطفالها بأن وجود الخادمة لا يلغي وجودها ومتابعتها لهم، وأن تعمل على تدعيم فكرة أن وجودها في حياة أبنائها كالوردة،، فهو يستنشق عبيرها متى وجدت وإذا ما غابت عنه يحاول أن يبحث عنها، وينعم بتأثيرها الإيجابي على نفسه حناناً ومحبة وتوجيه وإرشاد أيضاً.
الملاحظ اعتماد المجتمع العربي على خادمات غير عربيات مختلفات الملل واللغات والعادات السلوكية والتربوية والأخلاقية، في ظل حدثينا عن الأثر التربوي واللغوي للخادمة على الطفل، كيف بإمكان الأسرة العربية تجنيب أبنائها تلك المخاطر والمحاذير؟
لا شك أن ظاهرة الخدم ظاهرة عامة، يترتب عليها مشكلات ذات طبيعة نسبية، تتعلق بظروف كل مجتمع وما يعتنقه ويؤمن به من قيم ومبادئ ومعتقدات، وبالتأكيد تترك الخادمة آثارا قد تكون إيجابية في بعض الأحيان لكن الغالب في المجتمعات التأثير السلبي، والسبب اختلاف عاداتها وتقاليدها وقيمها وأخلاقها وسلوكها أيضاً، وهذه الأمور مجتمعة تشكل التنشئة الاجتماعية لدى الطفل، فإذا ما اختلفت المعايير التي ينضبط بها الطفل مع والديه مع المعايير التي ينضبط بها مع الخادمة، فيكون التناقض سيد الموقف، وبالتالي يكون الأثر السلبي أكبر.
فمثلاً إذا كانت لغة الخادمة غير عربية؛ فإنها تؤثر بدرجة كبيرة في اكتساب الطفل لغته العربية وقد يتأخر في تعلم اللغة ولفظ الحروف الصحيحة، واكتساب المفردات مقارنة بمن هم في مثل سنه، وقد يتعلم لغة المربية قبل تعلمه اللغة العربية التي هي الأساس، لذلك على الأسر أن تتحرى لغة الخادمة ودينها وأخلاقها ومبادئها لأنها ستنتقل مباشرة إلى الأطفال باعتبارهم يلتصقون بها ويلتقطون مفردات اللغة منها، خاصة في المرحلة الأولى التي يسعى فيها الطفل إلى حفظ أكبر عدد من الكلمات، فالملاحظ أن الطفل يتحدث اللغة العربية العامية مع أهله، ومن ثمَّ في المدرسة تجده يدرس اللغة الفصحى، ولكنه يكتسب لغة ثالثة من الخادمة فيؤدي ذلك التداخل إلى التأثير على لغته الأم، ولا شك أن تأثير لغة الخادمة الأكثر خطورة، خاصة وأنها باتت تتولى مسؤولية تلبية حاجات الطفل، وهذا يحدث ترابطا عاطفيا وجسديا بينهما، كونها تقضي معظم أوقاتها معه، مما يجعلها مرجعيته الأولى، فيتعلم سلوكها ويتحدث بلغتها، وتبرز هنا المشكلة عند خروج الطفل للروضة فيعاني بسبب لغته التي اكتسبها من الخادمة من تهكم وسخرية أقرانه، مما يولد لديه شعور بالنقص والغربة، وتتكشف لديه مشكلة صراع اللغة! لغة البيت والمدرسة، وتنتج لديه حالات من الارتباك والتلعثم.
كيف تؤثر الخادمات غير العربيات تحديداً على عقيدة الطفل؟
على الصعيد العقدي فقد يعمد الطفل إلى اكتساب عقيدة الخادمة وفقاً لحالة الالتصاق بها، والتي لا تتوقف عند تأديتها مهام الرعاية وتلبية الاحتياجات، بل توكل لها مهمة التربية بشكل كامل، فيتعلم منها الطفل لغة وعادات وسلوكيات ضارة، وهناك حالات وجد فيها الأطفال يشيرون بعلامة التثليث على الرأس وجانبي الصدر؛ لأن الخادمات نصرانيات، وأثر ذلك على عقيدتهم، وباتوا يفعلون كما تفعل الخادمة، بل ويشاركنها في أعيادها باتباع الطقوس ذاتها.
كيف نجنب أبنائنا التأثيرات السلبية والضارة لوجود خادمة وخاصة الأعجمية في المنزل؟
يجب على الأسرة أن تقوم بالتصفية (بالفلترة)، كلما وجدت سلوكا من الابن يختلف عن سلوك الأسرة، يبدأ التعامل مع الطفل بأساليب تربوية سليمة، لتعديل تلك السلوكيات، ولا يكون ذلك بالتحقير أو التهكم أو العقاب العنيف، وإنما بمزيد من التقارب والحوار، على الأسرة تنقية أي شوائب في الأفكار والسلوكيات والقيم التي يكتسبها الطفل من خلال الخادمة، أيضاً محاولة التأثير على الخادمة، فلا نترك لها التأثير فقط على الطفل، وإنما من خلال المعاملة الطيبة القائمة على التعاليم الإسلامية، يمكن أن نؤثر فيها ونجعلها أقرب إلى القيم والعادات والمبادئ التي نؤمن بها، وهناك أمثلة على خادمات أعجميات دخلن في الدين الإسلامي نتيجة التأثير الطيب من الأسر التي تعمل لديهن، ولا شك أن تربية الطفل وإعداده بشكل جيد تجعله يقوم بعمل التنقية (الفلترة) لنفسه، فيقوم سلوك الخادمة وفق القيم والمبادئ التي تشبع بها وتغلغلت في سلوكه وأخلاقه، وعلى الصعيد نفسه تقليل التأثير العقدي للخادمة على الأطفال، و يجب على الأسرة مراقبة التأثير العقدي للمربية على الصغار، وعلي الآباء الاهتمام بتنمية العقيدة الصحيحة وتثبيتها لدي أطفالهم بالأقوال والأفعال، ومحاولة التأثير على الخادمة بالمعاملة الطيبة.